السياسة الإماراتية من منظور بيولوجي: نحو تأصيلات منهجية جديدة في علم الأنساب
د. جمال الهاشمي
يرى المتتبع للسياسة الإماراتية أنها واضحة المعالم في أطروحاتها المحلية أو الأطاريح الإقليمية والدولية؛ وهو ما يعني وضوح أهدافها وتوجهاتها، ويرجع ذلك أن الأصل البيولوجي يعد معلما من معالم هذا التفسير.
وقد برزت السياسة الإماراتية المعاصرة على نسق منظومي مترابط المعالم في علاقاتها الإقليمية والدولية، واتسمت سياستها بالثبات في المواقف ليس في علاقتها مع الدول التي تتشارك معها العمق البيولوجي وإنما في علاقتها الدولية مع القوى العظمى.
وتعد هذه الدبلوماسية نموذجا عالميا مقبولا إلى حد ما، كما تعد سفارتها في الخارج من السفارات التي تتسم بحضور وجداني عالمي، وهنا تأتي الحكمة الدبلوماسية في التعاطي مع المجتمعات في إطار المعاملات الخدمية وفي احتكاكها مع الآخرين، إضافة إلى التواضع والحضور الروحي في التعامل مع المستفيدين؛ هذا إذ اخذنا بعين الاعتبار الدبلوماسية الإماراتية على جميع مستوياتها الوسطى والدنيا، وتميزها بالثقة والوضوح وقبول الآخر.
أما على مستويات القيادة العليا فإن الدبلوماسية الإمارتية لا تتعدد فيها الأوان الوسطى بين النقيضين: الأسود والأبيض، فهي واضحة المعالم في اتخاذ المواقف ، كما أن حلفاءها لا يتغيرون في مواقفهم، وهو ما يعني أن الثقة مع الحلفاء تعتمل المساحات الدبلوماسية التي بدورها توسع مجالات التفويض وتصطنع جسرا استراتيجيا لضمان استمرارية التدفق ، فالسياسة هنا تتميز بالصلابة الحديدية، وهذه الصلابة مع الوضوح هو استحضر وجودها في العالم الدولي المعاصر.
وذا نظرنا إلى قاعدة المثلث عندما تتعمق في مناقشة شخصية فكرية إماراتية أو شخصية دبلوماسية أو شخصية أكاديمية بحثية؛ تجد الرقة والحكمة من أهم خصاص هذه الشخصية، لا اتحدث عن قناعاتي وتجربتي وإن كانت مهمة وذات عمق فكري، وإنما أتحدث عن الظاهرة المستقراة اجتماعيا وسياسيا وأخلاقيا حيث تتميز الشخصية الإمارتية بالوفاء الذي لا يغفر الخيانة، وتنعدم الثقة في الشخصيات التي ترتبط بمواقف ثابتة، أو الشخصيات التي لا تتسم بالجدية أو المتذبذبة في مواقفها، أو لا تتسم بالرؤية والاستقلالية والانضباط.
أما طبيعة النظام فله خصوصية بيولوجية تكيفت مع معالم واحتياجات المجتمع وتطورات العصر ضمن أنساق متعددة وفي إطار الكلية والرؤية المشتركة، وهو منح هذه الدولة الصغيرة القدرة على استحداث نماذج الحداثة العربية المعاصرة، كما تعد هذه الدولة من أكثر الدول العالمية أمنا وحضورا في المجتمعات العالمية، وهذا الحضور يمنحها أو منحها قدرة إعلامية غير مباشرة، والتي هي من أهم مخرجات منظومة القيم التقليدية للدولة.
لهذا تجد التعدد والخصوصيات في إطار القانون والتقاليد العربية التي لم تعد حاضرة في كثير من دول العروبة إلا في كثير من مظاهرها التقليدية التي شكلت تحديا للفكر الإنساني وللتقدمية في التعاطي مع الحداثة المعاصرة والاستفادة من الحضارات المادية العالمية وتوسيع دائرة الخصوصية البيئية.
ونظرا لاختلاف النسابة في تحديد أصول حكام الإمارات وقبائلها بالوقوف على مفترق الطرق وانقطاع التحديد واختلافه بين الأزدية والعدانانية لأمراء القواسم أو العدانية والقحطانية بالنسبة لحكام أبو ظبي، وكذلك بالوقوف على حكام العجمان وغيرها من القبائل العربية في هذه المنطقة .
فإنني وفي إطار استحداث منهجيات جديدة علمية وموضوعية تعالج انقطاع النسب أو انفصاله، سيكون من الضروري استعمال منهجية علمية معرفية لحل إشكالية الانقطاع من مداخل العلوم الأخرى الثابتة والتي تعد بالنسبة لي مدخل منهجي، في إطار قواعد منهجية تعتمد هيكل المثلث المقلوب.
ومع أن المؤشرات الأولى تحدد ملامح الأصل العربي لقبائل الإمارات في مفهومي الإخباري أو من خلال النقولات والكتابات التي قدمها المؤرخون إلا أن كل تلك الأطروحات تقدم معلومات مهمة لكنها لا تقدم المعرفة التي يمكن البناء عليها.
وقد يكون من الأهمية بمكان استيعاب هذه المعلومات والبيانات وتفعيل منهجية المثلث المقلوب لمعالجتها من أجل ايجاد معرفة يقينية لا تتعارض مع أصولية الدين والعلم الحديث.
وتعد هذا الدراسة بهذه الرؤية في اتخاذ هذا النموذج المعتمل لدراسة الأصالة الإماراتية في عالم الحداثة مدخل لتجديد المنهجية في حقل الأنساب نظرا لظهور تكهنات جينية تقدم اسقاطات غير منطقية كما أنها غير علمية إلا في كونها وسيلة من وسائل الطب الحديث لا يمكنها تحديد الأصالة البيولوجية نظرا لانتفاء الفرضيات العلمية، أو لارتباطها بالتخرصات والاسقاطات النفسية.
أما اختيار هذا النموذج أقصد نموذج الإمارات فنرجعه إلى عدة أسباب منها: سهولة الحصول على المعلومات التاريخية من جهة، وبروز الظواهر المجتمعية والسياسية والاقتصادية من جهة أخرى، وللعامل الجغرافي، والتاريخي، وهذا ما سأقدمه ضمن اشتراطاتي المنهجية التجديدية في علم لأنساب والبيولوجية العربية .